صراع على مستقبل سوريا
حسن ظاظا
بعد تسع سنوات من الصراع و توقف الحرب في مساحة واسعة من الأراضي السورية، بدأت وزارة
الأوقاف السورية بتوجيهات من القيادة السياسية للنظام بالتمادي والبطش أكثر، مستغلةً
خلو الساحة من أي منافس لها على إدارة الشارع السوري، من النواحي الاجتماعية والدينية
والتعليمية، وقربها من الحليف الإيراني وأهدافه السياسية للبوابة السورية على البلدان العربية والشرق الأوسط
.
وهكذا، بدأ النظام ووزيره يبحث عن سُبل لشرعنة
عمله، بعد موجات انتقاد كثيرة طالته، وأثارها معارضو توجهه الديني، على اختلاف طوائفهم،
مطالبين بكف يده عن العمل على مشروع أسلمة سوريا، حتى أن البعض طالب بإقالته من منصبه
وإلغاء الوزارة.
وأكثر
ما أثار استغراب السوريين في الأيام الماضية قدرة هذه الوزارة على الحصول على مشروع
القرار للمرسوم التشريعي رقم /16/، الذي كشف عنه في مجلس الشعب السوري مفجراً مفاجأة غير سارة للشعب السوري ومكوناته
الدينية والقومية، بطرح مشروع القرار المذكور على /39/ صفحة، الذي يوحي على مكافحة
الإرهاب والتطرف، ولكنه يخفي بين صفحاته نوايا مبيتة لوزارة الأوقاف، بمد صلاحيات وزيرها
ووضع مؤسسة الإفتاء تحت تصرفه، ونشر المشايخ في سائر الوحدات الإدارية البالغ عددها
/1355/ شعبة، ومنح رخص لبناء المزيد من المدارس والمعاهد والجامعات الشرعية، والرقابة
على المطبوعات والمصنفات الأدبية والفنية والبرامج ذات الطابع الديني، مستنسخين بذلك
نظام المملكة السعودية الديني.
يعتبر
القرار ضربة استباقية، اتخذ منه النظام جميع الاحتياطات اللازمة لتمريره، تحسباً لرفض
تصويت ثلثي أعضاء المجلس عليه، فجاءهم بمرسوم تشريعي للموافقة عليه، بدلاً من أن يخرج
الاقتراح من مجلس الشعب، ثم يحوّل إلى رئيس الجمهورية بعد الموافقة عليه.
وبما
أن مشروع المرسوم يأتي من السلطة التنفيذية، فإن المعركة حُسمت بنسبة كبيرة سلفاً لصالح
وزارة الأوقاف، محددة لسوريا مستقبلاً دينياً، ضاربةً مشروع الدولة العلمانية بعرض
الحائط.
الآراء المتناقضة للمرسوم:
تتضارب
الآراء حول مشروع القرار المذكور. فمناصري وزارة الأوقاف يرون أنها المسؤول الأول والأخير عن
إعادة تأهيل السوريين ممّن تاهوا عن الصراط المستقيم، خاصة في المناطق التي شهدت نزاعات
مسلحة، بحجة أن عقول هؤلاء تسممت بأفكار لا تمثل الإسلام الصحيح، وهي الأقدر على استيعاب
نوازعهم النفسية، ومنطلقاتهم الفكرية.
في المقابل،
ترى الآراء المعارضة لصدور قرار كهذا، أنه سيرفع من رصيد الأطر الدينية السنية على
وجه التحديد، ويزيد من سيطرتها على المقدرات الفكرية والاجتماعية والاقتصادية، الأمر
الذي سيؤدي بالضرورة إلى تهديد أمن ومستقبل السوريين.
العلمانية والمرسوم:
يبدو
أن حجج العلمانيين لم تقنع النظام، بقدر ما أقنعته حجج ومبررات وزارة الأوقاف، علماً
أن نظام حزب البعث في سوريا يعلن تبنيه نهجاً علمانياً، على الرغم من أنه لم يحاول
طيلة خمسين عاماً من حكمه، تأسيس دولة علمانية بالمعنى الصحيح للكلمة، فمفردة العلمانية
لم تكن يوماً على أجندة البعث.
ومردّ
انحياز النظام لتشكيل تحالف مع وزارة الأوقاف يعود إلى قدرة التوجه الديني بشكل عام
على احتضان قاعدة شعبية كبيرة، وهو ما تعجز عنه التيارات العلمانية.
بيد
أنه لا يخفى على أحد أن جميع التيارات المعارضة العلمانية، كانت وما زالت محاربَة من
قبل النظام، والسبب برأيه أن تياراً كهذا يشكّل خطراً على بنيته، لأنه لن يقبل بأية
ممارسات خارجة عن القانون، ولأن النظام الحالي الذي يتسم بتفشي الفساد فيه بدرجة كبيرة،
لن يسمح لأية قوة بأن تقف عقبة في طريقه.
وهكذا
عجزت المعارضة العلمانية، ليس بسبب قمعها من النظام فقط، بل إن تخليها عن قضيتها الحقيقية
في رسم خارطة سوريا الجديدة، وسعيها من أجل الوصول إلى السلطة بأي ثمن، جعل الكثيرين
من السوريين يبتعدون عن دعمها، متخذين من النظام سنداً لهم في حمايتهم مما يعتبرون
أنه تطرف ديني زاحف عليهم.
المشروع الإيراني في سوريا:
تعتمد
إيران في تصدير مشروع ثورتها الإسلامية إلى سوريا، على تحالفها مع مجموعة من الشخصيات
الدينية السورية وعلى رأسها المؤسسات الدينية في سوريا.
حيث شكّل مشروع المرسوم التشريعي رقم /16/ بشرى غير
سارة أيضا للعلمانيين السوريين داخل سوريا، فالمشروع الذي يتوزّع على /39/ صفحة، يوسّع
نفوذ وزارة الأوقاف، بشكل يستنسخ تقريباً النظام الديني في السعودية، لهذا
أعلن السنة المعتدلون والمسيحيون والشيعة والعلويون والدروز وغيرهم من الملل الأخرى
ولاءهم الكامل للنظام، على الرغم من مآخذهم الكثيرة عليه، مبررين ذلك بتخوفهم مما سيحل
بهم لو سقط.
التحالف
الذي بات واضحاً بين النظام والمشيخة السنية في سوريا، وتعاونهما المشترك على إصدار
قرارات تزيد من رقعة الانتشار الديني، لا يمكن تحميل المسؤولية عنه لوزارة الأوقاف
فقط، بل للقيادة الإيرانية التي تطرح مشروع إسلامي في المنطقة، ونفوذها في سوريا امتد
إلى المؤسسات الأمنية والعسكرية والسياسية، وهي بشكل أو بآخر تمثل الوجه الثاني لمشروع
الإخوان المسلمين، بسبب ما يربطها من علاقات مع حركة حماس الفلسطينية، وعلاقتها بالنظام
الإخواني في تركيا، وتعتمد إيران في تصدير مشروع ثورتها الإسلامية إلى سوريا، على تحالفها
مع مجموعة من الشخصيات الدينية السورية.
الشعور بالإحباط والخذلان:
يشعر
السوريون العلمانيون في الداخل بالإحباط والخذلان من جميع الأطراف، فلا المعارضة العلمانية
استطاعت أن تفي بوعودها، ولا النظام بسياسته الحالية المتسمة بمد الإسلام السني يشكل
طوق نجاة لهم، فهم يأملون في دستور علماني وقانون أحوال شخصية يتعامل مع الجميع على
أساس المواطنة، دون أي تُعطى أحقية وأفضلية لطائفة بحجة أنها الأكثرية على حساب بقية
الطوائف.
قد لا
يكون النظام السوري مدركاً لحجم امتعاض طيف واسع من السوريين من أي تشريع ينص على الإنفاق
من مستحقات الشعب على مشروع أسلمة الدولة، أكثر بعشرات المرات مما يصرف على البحث العلمي
والتطوير، وعلى ما تتخذه وزارة الأوقاف من إجراءات من شأنها أن تساهم في مد سيطرتها،
وكأن هذه الوزارة لم تكتفِ بتشكيلها، خلافاً لما ينص عليه الدستور السوري، فرقاً دينية
تحت مسميات عديدة، كالفريق الشبابي الديني، والنساء الداعيات اللواتي يعرفن بالقبيسيات،
وبأن لها دون سواها من مكونات المجتمع السوري، محطة تلفزيونية أُطلِقت عام /2011/ بهدف
نشر الدين الوسطي تبث عبرها ما تشاء من خطب جمعة وبرامج دينية، وبأن خطب مشايخها تصل
إلى أصغر مصلٍّ في أبعد قرية في أبعد محافظة، وبأن خطباءها يعظون بما يحلو لهم، دون
حسيب أو رقيب، حتى وإنْ مسّوا بكلامهم مكونات أخرى.
ووصلت
سطوة وزارة الأوقاف منذ أشهر قليلة إلى حد التدخل بقانون مجهولي النسب، من الأطفال
الذين وُلدوا خلال سنوات الحرب، والذي ينص على منحهم الجنسية السورية، على أن يُعَدّ
مجهول النسب مسلماً سنياً ما لم يثبت خلاف ذلك.
السوريون
على مفترق الطرق:
يقف
السوريون الآن على مفترق طرق سيُحدد ما سيكون عليه شكل سوريا في المستقبل القريب. سيُعرَض
القرار /16/ للتصويت عليه في مجلس الشعب، علماً أن القوى المتنازعة عليه والمنقسمة
في ما بينها غير متكافئة القوة، فوزارة الأوقاف تحظى بكامل دعم النظام.
بيد
أن التبنؤ بما سيكون لهذا المشروع من تبعات على المجتمع السوري، قد يكون مبكراً بعض
الشيء، فمن المحتمل أن ينحصر أثر المشروع داخل نطاق عمل الوزارة لا أكثر، أو قد تكون
له آثار كارثية، تقلب أوضاع السوريين رأساً على عقب، وتضيق عليهم الخناق أكثر، بحيث
تصبح وزارة الأوقاف الوصي الفعلي على كل ما يُكتب ويُقال ويُنشر، وتُعطى صلاحيات مطلقة
على باقي الوزارات، متبعة سياسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومغلقة الباب في
وجه مَن ينتقد شكل الإسلام في سوريا.
تعليقات
إرسال تعليق