الدين والعلمانية
حسن ظاظا
إن العلمانية ليست
ضد الدين كما يزعم الكثير من أصحاب التيارات المتطرفة والحركات السياسية ذات
المرجعيات الدينية والعلمانية لا تحارب الأديان ولكنها منهج علمي يوفر الحرية
للوطن والمواطن ويعمل على ايجاد آليات للعمل الديمقراطي والحوار الحر وتداول
السلطة في المجتمع بطريق سلمي.
وبهذا ما أحوجنا
إلى العلمانية كأداة عملية توفر التطور الحقيقي لمجتمعنا والتقدم وتوفر المناخ
الصحي لخلق أجيال جديدة تنمو في ظل مبادئ الحرية والمساواة والقبول بالآخر ورفض
التعصب والعنصرية ضد فئات بعينها وينمي قيمة التفكير النقدي لدى أجيال المستقبل
,والمعروف أن العلمانية بهذا المعنى لا تجد حقها في الوجود إلا في المجتمعات التي
تعرف قيمة الإنسان واحترام حقوقه وتقدس حرياته, أما في فترات التخلف فمن الطبيعي
أن تنحسر قيم الديمقراطية وتصبح المطالبة بحقوق الانسان واحترام حرياته - رجس من اعمال الكفر والالحاد- وهكذا تعرف العلمانية
الآن كمرادف للكفر والإلحاد, ونشر الفساد في المجتمع, ومن ثم تصبح تهمة تعلق في
رقبة من ينادي بها منهجا لحكم الدولة , بل إن أصحاب الخطاب الديني المتطرف لا
يعتبرون العلمانية رسالة كافرة ودعوة إلحادية وحسب , لكنهم فضلاً عن ذلك يحاربونها
كدين جديد من صنع البشر, يحارب دين الله الآتي من السماء, وهكذا هي في نظرهم (بدعة
وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار) , ولست أدري كيف يفكر هؤلاء ؟ ولماذا يضعون
الدين عقبة في وجه تقدم المجتمعات ولصالح الأنسان ؟
ما نعرفه إن الدين
قوة لتقدم الإنسان وليس العكس , إن خطابهم الديني ينبئ بمزيد من التقهقر والتخلف
بدءاً من محاربة الإبداع والدعوة إلى سجن المرأة, انتهاء بتكريس الطائفية على حساب
المواطنة .
غريب أن تظهر في القرن الواحد والعشرين دعوة إلى
ما يسمى بالدولة الدينية والتي هي بطبيعتها دولة ديكتاتورية ومستبدة يكون الحاكم
فيها ظل الله في الأرض يحكم باسم الله, ويصدر التشريعات والقوانين باسم الله,
ويرسم السياسات باسم الله, ومن يطيعه يطيع الله, ومن خالفه الرأي أو حاربه وقاتله
فإنما يخالف ويحارب ويقاتل الله, مع أنه مجرد بشر قد يصيب أو يخطئ, ولكنه في هذه
الحالة تضفي عليه علامات التقديس ليصبح في الحقيقة هو الوكيل الوحيد والمتحدث
الشرعي دون سواه باسم الله, أي استبداد هذه ؟!.... إن الدين ثابت ومطلق ومقدس
ومنزه عن الخطأ والسياسة متغيرة تبعاً
للظروف والمصالح, وخير دليل على هذا الكلام موقعة الجمل الشهيرة, والتي
كانت حرباً بين فريقين تقود أحدهما عائشة زوجة النبي محمد, ويقود الفريق الآخر
الإمام علي بن أبي طالب, وأن كان كل منهما قد رفع المصاحف على آسنة السيوف, كيف
تفسر هذه الموقعة من الجانب الديني؟ أي فريق على صواب وأيهما على خطأ؟... التفسير
الديني يفسد الدين أما لو تعاملنا مع المواقف على أنه صراع سياسي من أجل نيل الحكم
لأرحنا واسترحنا وهكذا ينبغي عدم خلط الدين بالسياسة ولا سياسة بالدين.
إن العلمانية
المنشودة ليست مجرد فصل الدين عن الدولة كما يتردد على ألسنة الكثير ممن ينظرون
إلى العلمانية من منظور تاريخي على ضوء ما حدث في أوروبا من إنهاء سيطرة الكنيسة
على الدولة, جاهلين ومتجاهلين أن هذا الفصل وإن كان بداية الانطلاق نحو الحداثة,
إلا إنه لم يآت بقرار فوقي, أو حتى ثورة شعبية مفاجئة لكنه كان تتويجاً لمسيرة
أفاقت الإنسان الأوروبي من سبات القرون الوسطى, تلك الفترة الجديرة بأن نعتبرها
فترة سبات وظلام حقيقي, وإنما فترة حمل ومخاض بما تلاها, وتم في حضنها اكتمال
ارهاصاته ومقوماته, إن الدولة العلمانية التي تحترم حقوق الإنسان وحريته وتتعامل
مع مبدأ المواطنة بغير التمييز بسبب الدين أو اللون ...أو القرن ...أو الرأي
...إلخ. في إطار من القيم الأخلاقية والديموقراطية التي تضمن آلية تداول السلطة
بمشاركة شعبية, تلك هي الدولة العصرية التي يحتاجها مجتمعنا بحق, دولة ترفع شعار
«الدين لله والوطن للجميع» وتطبيقه تطبيقا راسخاً وصحيحاً ومما يجب ذكره هنا أننا
لسنا في حاجة إلى كهنوت ديني يطبق على حريات الأفراد والمبدعين في سلوكياتهم
اليومية العادية ... ولسنا في حاجة إلى من يزعم
أنه يتكلم باسم الله ويوزع صكوك الغفران والكفر على الناس تبعا لمواقفهم
منه طاعةً أو تحفظاً أو اعتراضاً... ولسنا بحاجة إلى دولة ترعى الإرهاب الفكري
باسم الدين وترفع سلاح التكفير في مواجهة أي محاولة للتفكير ولسنا بحاجة الى دولة
يقودها أمراء الجماعات التي يهيمن عليها المهوسون دينياً الذين لا يفرقون بين النص
المقدس وبين تأويله الذي هو من صنع البشر وهو مجرد اجتهاد قد يصيب وقد
يخطئ...والاختلاف مع رأي إنسان ليس خروجاً عن الدين والملة , تريد دولة تحترم
المرأة كإنسان وتعطيها الفرصة كامل حقها للتنافس في مجالات العلم والعمل مع الرجل
يداً بيد وبالظروف نفسها ولا نختصرها إلى مجرد جسد وأداة لمتعة آنية, العلمانية
بهذا المعنى لا تتصادم مع الدين إذ أبقينا الدين في دائرة العلاقة بين العبد وربه
وتركنا إدارة الدولة للناس للشعب بلا سلطان من طبقة كهنوت أو رجال دين, فالناس
أدرى وأعلم بشؤون دنياهم. إذنً فلنعلم أن الدولة الدينية بطبيعتها دولة مستبدة
ودكتاتورية مثل النظام الإيراني وغيره من الأنظمة التي تتحكم بها الأحزاب
الإسلامية المتطرفة في العالم الإسلامي الذي يموج بأصداء الفوضى والاضطراب السياسي
والاجتماعي والثقافي في الدول والأقاليم الناشئة وهنا خوفي من المد الإسلامي
المتطرف في إقليم كردستان العراق وسياسة الحزب الواحد الشمولي, والدولة العلمانية
بطبيعتها دولة تكرس الحرية والديموقراطية بدءاً من الانتخابات وانتهاء بتشكيل
الحكومة الديموقراطية تحفظ حقوق كافة مكونات المجتمع.
تعليقات
إرسال تعليق