
نقلاعن وكالة أنباء هاوار
منذُ مُنتصفِ القرن العشرين، والشّعبُ الكرديّ يناضلُ وفق أُسُسِ الحماية الذّاتيّة والدّفاع المشروع، هذه المقاومة الّتي مازالت مستمرّةً وتتصاعد في كردستان، باتتمنتصفِ القرن العشرين، تطوّر مفهم الحماية لدى الكرد، وبات تنظيمه أفضل، وذلك من خلال التّنظيمات الحزّبية.
ففي هذه المرحلة أصبحت مقاومة الحماية الذّاتيّة في باشور "جنوب كردستان"، وباكور "شمال كردستان"، وروجهلات "شرق كردستان"، نهج تطور هذا المفهوم في تاريخ كردستان.
بعد ماهباد مقاومة الحماية في كردستان كانت على الشّكل التّالي:
في عام 1946 تأسّس الحزب الدّيمقراطيّ الكردستانيّ في مدينة السّليمانيّة بباشور كردستان، من قبل إبراهيم أحمد وعدد من رفاقه، وكان سكرتير الحزب إبراهيم أحمد في بداية الأمر، ثمّ استلمها مصطفى البرزانيّ.
عند إعلان جمهوريّة ماهباد كانَ ملا مصطفى البرزانيّ قائد الجيش، وعند احتلال ماهباد من قبل إيران، توجّه هو ومن معه إلى الاتّحاد السّوفيتيّ في عام 1947.
في عام 1958 قام عبد الكريم قاسم بانقلاب في العراق، وأحاط بالحكومة، وشكّل حكومة جديدة، وبناء على الوعود الّتي قدّمها عبد الكريم قاسم عاد ملا مصطفى البرزانيّ ومن معه إلى كردستان، وبدأ باللّقاءات والمفاوضات مع حكومة عبد الكريم قاسم، ولكن في عام 1961 وبعد عدم تنفيذ الحكومة العراقية لوعودها، واستمرارها في سياسات الإنكار، مرّة أخرى بدأ الكرد بمقاومتهم.
في عام 1966 بدأت المفاوضات واللّقاءات بين الحكومة العراقيّة والكرد، وفي عام 1970 وقّع الطّرفان معاهدة منح الكرد إدارة محلّية، ولم يتمّ تنفيذ بنود هذه المعاهدة حتّى عام 1974، ولهذا بدأت المقاومة مرّة أخرى في باشور.
بدعم من الدّولة التّركيّة تمّ في عام 1975 توقيع معاهدة "الجزيرة" ضدّ الكرد بين إيران والعراق، حيث تنازلت العراق بموجب هذه المعاهدة عن حقّها في طريق شطّ العرب، مقابل أن تضغط إيران على الكرد في روجهلات "شرق كردستان".
بدأت في باشور كردستان حينها مرحلة سمّيت بـ "آش بطال"، وتمّ كسر مقاومة الحماية للكرد حينها، وأُجبر الملايين من الكرد على ترك ديارهم، والتّوجّه إلى حدود باكور كردستان.
بعد مرحلة "آش بطال"، في عام 1975 أسّس جلال طلباني الّذي انشقّ عن الحزب الدّيمقراطيّ الكردستانيّ وعدد من رفاقه الاتّحاد الوطنيّ الكردستانيّ، وبطليعة الاتّحاد الوطنيّ الكردستانيّ، ناضل الشّعب الكرديّ ضدّ الدّولة العرقيّة الّتي كانَ صدام حسين حينها رئيساً للعراق، وانتفضوا لعدّة مرّات ضدّ الحكومة، وحينها بدأ صدّام حسين بهجمات الإبادة بحقّ الكرد، والّتي سُمّيت بـ "الانفال" حينها، وأقدم على قتل ما يقارب الـ 182 كرديّاً.
في الـ 5 من آذار عام 1991 انتفض الكرد في باشور كردستان مرّة أخرى ضدّ نظام البعث ودكتاتورية صدّام حسين، وبدؤوا بمقاومة الحماية مرّة أخرى، في التّاريخ تعرف هذه المقاومة بـ "الانتفاضة"، والّتي اندلعت شرارتها من ناحيتي رانيا وقلادزي، وكان هاتين النّاحيتين أولى المناطق الّتي يتمّ تحريرها من النّظام الدّكتاتوريّ.
مقاومة الحماية الّتي بدأها البيشمركة القدامى، توسّعت رقعتها، وأقدم الشّعب في مدن ونواحي وقرى باشور على حرق المقرّات والمؤسّسات التّابعة للدّولة، وأخرجوا عناصر الجيش العراقيّ إلى خارج حدود كردستان.
في الـ 27 من آذار عام 1991 شنّ نظام صدام حسن هجمات على كردستان، واحتلّت كركوك وهولير في يوم واحد، وبعدها بدأت موجة النّزوح الكبيرة في باشور، ولجأ مئات الآلاف من الكرد إلى باكور كردستان.
وبعد الانتفاضة أعلن باشور كردستان عن حكمها الذّاتيّ، وللمرّة الأولى تمّ تشكيل البرلمان عبر انتخابات في عام 1992.
وبعد سقوط نظام صدّام حسين، والموافقة على الدّستور، باتت العراق دولة فدراليّة، وباتت باشور تتمتّع بالنظام الفدراليّ وتمّ الاعتراف بها على هذا الأساس.
روجهلات: مقاومة الدّكتور عبد الرّحمن قاسملو
في عام 1979 وعقب الإطاحة بشاه إيران بقيادة أية الله خوميني، عاد سكرتير الحزب الدّيمقراطيّ الكردستانيّ – إيران، الدّكتور عبد الرحمن قاسملو إلى كردستان روجلات "شرق كردستان"، وبدأ بالنّضال من أجل حكم ذاتيّ في كردستان، ولكن خوميني كسابقيه من قادة إيران أنكر وجود الكرد، وفي الـ 19 من آب عام 1979 أدلى الخوميني بتصريح في التّلفزيون الرّسميّ الإيرانيّ، قال عن قاسملو حينها "هذا عدوّ الله"، وأعلن الجهاد ضدّ الشّعب الكرديّ، وفي نفس السّاعات تمّ إعلان حالة الطّوارئ في مدن كردستان روجهلات، وتمّ قصف المدن بالطّائرات.
ومن أجل حماية الكرد في روجهلات كردستان والتّصدّي لهجمات النّظام الإيرانيّ اتّفق كلّ من الحزب الدّيمقراطيّ الكردستانيّ – إيران، وكومالا على البدء بالمقاومة لحماية الشّعب.
الشّعب الكرديّ بطليعة قاسملو انسحبوا إلى الجبال وبدؤوا بحرب العصابات "كريلا"، هذه الحرب استمرّت حتّى عام 1988.
بعد أن هُزمت إيران أمامَ العراق في عام 1988، قدّم النّظام اقتراحاً للكرد ليقوموا بالتّفاوض، وفي الـ 28 من كانون الثّاني عام 1988، تقدّمت إيران لقاسملو بمقترح المفاوضات.
وخلال المفاوضات الّتي تمّت في الـ 28 إلى الـ 30 من كانون الأوّل عام 1988، قبل إيران بالحكم الذّاتيّ للكرد كمبدأ، وتمّ تأجيل استمرار المفاوضات في الـ 20 من كانون الثّاني عام 1989، ولكن بسبب تزمّت إيران في مواقفه، انسحب قاسملو من المفاوضات.
في شهر حزيران عام 1989، وعندما توجّه قاسملو إلى أروبّا للمشاركة في اجتماع الاشتراكيّة الأمميّة، مرّة أخرى عرضت عليه الإدارة الإيرانيّة التّفاوض، وقبل قاسملو المقترح، وكان الاجتماع الأوّل في فيينا بتاريخ الـ 12 من تموز، ولكن في اليوم الثّاني من اجتماعات التّفاوض، أي في الـ 13 من تمّوز، قُتل عبد الرّحمن قاسملو على طاولة المفاوضات، من خلال إطلاق ثلاث رصاصات عليه، وفي هذه الواقعة قُتل نائبيه الدّكتور فيصل رسول، وعبد الله قادري آزر، واتهمت الحكومة النّمساوية إيران بهذه الواقعة في اليوم ذاته، ولكن إلى الآن لم يتمّ البتّ في هذه القضيّة.
حزب العمال الكردستانيّ
مقاومة الحماية الذّاتيّة استمرّت في كردستان لسنين طويلة، وبسبب تهميش المجتمع الّدولي لكردستان، كانت كافّة دول العالم صمّ بكم إيزاء كردستان وما يجري فيها، ولكن بالرّغم من ذلك كانت روح مقاومة الحماية الذّاتيّة تظهر دائماً، وفي أيّ وقت كان أعداء كردستان يقولون " قضينا على الكرد، ووضعناهم تحت الإسمنت المسلّح"، كانت تظهر مقاومة جديدة، وتبدأ مرّة أخرى مقاومة الحماية.
في القرنين الماضيين، كان الكرد في مقاومة مستمرّة، والمقاومة الّتي يتمّ القيام بها ضدّ الاحتلال التّركيّ، تستند على روح المقاومة التّاريخيّة للكرد.
الكرد هُزِموا عدّة مرات، ولكنّهم لم يستسلموا، فقد احتلّت كردستان، ولكن الكرد الّذين لم يستسلموا من المؤكّد أنّهم سينتصرون في النّهاية، ولم ينتصر أيّ شعب بدون مقاومة.
بعد الحرب العالميّة الأولى تمّ النّيل من مقاومة الكرد، وتمّ اتّباع سياسة التّطهير العرقيّ ضدّ الكرد، فالكرد الّذين تمكّنوا من حماية أنفسهم من المجازر المرتكبة بحقّهم، قامت الدّول المُحتلّة لكردستان باتّباع كافّة الأساليب لصهرهم، خاصّة في باكور كردستان، لم يكن يأمل أحد أن تظهر مقاومة كرديّة جديدة بعد هذه السّياسات.
في ستينيّات القرن الماضي، ظهرت حركات العمّال وطلبة الجامعات في العالم، ضدّ الضّغوط الّتي كانت تمارسها الدّول على الشّعوب، وهذا الوضع أثّر على الواقع في كردستان أيضاً.
عقد قائد الشّعب الكرديّ عبد الله أوجلان ورفاقه عام 1973 اجتماعاً، وقيّموا فيه الوضع في كردستان، أوجلان بعد النّقاشات قال: "كردستان مُحتلّة"، وعليه أتّخذُ النّضال من أجل التّحرير أساساً له.
"الدّفاع المشروع فقط بإمكانه أن يكون له معنى ويصل إلى هدفه في ظلّ ظروف الاحتلال، إذا كان الشّعب محتلّ، ومستعمرّ، واستخدام كافّة أساليب الضّغط والعنف ضدّه، هذا يعني أن هذا الوطن مُحتلّ"، بهذه الكلمات أشار القائد أوجلان إلى احتلال كردستان.
وعلى هذا الأساس تمّ اتّخاد قرار حرب الدّفاع المشروع، وهدفه هو إيقاف سياسة التّطهير العرقيّ والإبادة بحقّ الكرد، وعليه وفي عام 1978، تمّ الإعلان عن تأسيس حزب العمال الكردستانيّ.
وفي الـ 15 من آب عام 1984 بدأت مقاومة الدّفاع المشروع ضدّ الاحتلال التّركيّ، وهو مستمرّ في أجزاء كردستان الأربعة.
حقّ الدّفاع المشروع هو حراك مبارك من أجل حماية شعب عن وجوده، والوصول إلى حرّيته، وهو حقّ مهما كانت الظّروف والشّروط، لأنّها ضدّ من يستهدف قيم الحياة.
الحرب هي مرض اجتماعيّ، ولكن الدّفاع المشروع هو حقّ، وعلى هذا الأساس ووفق مبادئ الدّفاع المشروع، بدأ النّضال في أجزاء كردستان الأربعة منذ عام 1984، ومايزال مُستمرّاً.
الاحتلال التّركيّ استنفد كلّ قوّته وإمكانيّاته بهدف النّيل من نضال الدّفاع المشروع بقيادة حزب العمال الكردستانيّ، الحرب الّتي خاضها الكرد بطليعة حزب العمّال الكردستانيّ وفق أسس الدّفاع المشروع، جعلت العالم بأسره يعرفون الشّعب الكرديّ، كما أنّ الدّفاع المشروع كسّر حالة فقدان الأمل لدى الكرد، ومن أجل المقاومة انتفض الشّعب الكرديّ مرّة أخرى.
قوافل الشّبيبة الكرديّة توجّهوا إلى الجبال للمشاركة في المقاومة، والشّعب الكرديّ الّذي كان يواجه الإبادة والصّهر، والفناء، مرّة أخرى ظهر بفضل مقاومة الدّفاع المشروع، وبات صاحب حقّ في مستقبل الشّرق الأوسط.
في الشّرق الأوسط بات الشّعب كرديّ مثال الشّعب الّذي كان على حافّة الفناء، وبالحماية الذّاتيّة تمكّنوا من حماية أنفسهم ووجودهم.
كلّ مقاومة ظهرت في كردستان، كانت روحاً وأملاً للذين أتو من بعدهم.
عام 2015، ومن أجل التّصدّي لهجمات جيش الاحتلال التّركيّ، بدأت في مدن باكور كردستان مقاومة الحماية الذّاتيّة، كجزير، سلوبي، غفر، نصيبين، عدّة مدن أخرى، وتمّ خلالها الإعلان عن الإدارات الذّاتيّة، فمن أجل التّصدّي لهجمات الاحتلال التّركيّ حملوا السّلاح، ومن أجل حماية وطنهم كتبوا تاريخ المقاومة، فالمقاومة والاشتباكات استمرّت لأشهر، استخدم فيها الاحتلال التّركيّ الأسلحة الثّقيلة ضدّ مدن الكرد، وارتكب المجازر بحقّ الشّعب الكرديّ.
مقاومة الإدارة الذّاتيّة، والنّضال والكفاح ضدّ الاحتلال التّركيّ، هو دائماً الأمل الكبير بالحرّية بالنّسبة للشعب الكرديّ، فالكرد المقاومون، صعّدوا روح المقاومة بتضحياتهم ودمائهم.
( منبر الحرّية لشعوب الشّرق الأوسط.
تعليقات
إرسال تعليق