محمد أرسلان
سؤال يراود الكثير منّا منذ نعومة أظفارنا ويبقى
هذا الحلم يعيش كالطفل فينا لا يبارح مخيلتنا بالرغم من مرور السنوات والمواسم
والفصول، إلا أنه السؤال الوحيد الذي نكرره ونكرره من دون كلل. منذ نعومة أظفارنا
ونحن نرد على هذا السؤال في خلجات أفكارنا وحنايا قلوبنا بأجوبة نقنع فيها نفسنا
على أنه لو كان في يدنا قيادة القدر، لعملنا وفعلنا كذا وكذا... الخ. ومن كثرة
الأجوبة والحلول التي نتصورها والتي لا تتعدى حدود مخيلتنا، تنمو معها الـ
"أنا"، الواعية لذاتها والمغرورة بقدراتها على صنع المستحيل لحياة أفضل. أحلام طفولية تولد معنا ونكبر نحن وتبقى هي
متمردة على النمو وتعاند ديالكتيك الطبيعة مصرّةً على البقاء في فانوس علاء الدين
كماردٍ يأبى أن يعيش كما نحن. حالة من الانفصام بالشخصية تولد معنا ونتعايش مع بعض
بالرغم من الكم الهائل من التناقضات ما بين الشخصيتين الـ "أنا" الخارجية
الشكلية والـ "أنا" الداخلية الجوهرية. صراع لا يمل من المبارزة الآنية واللحظية واليومية ما بين
الشخصيتين على حلبة مسرح الحياة المليء بالتناقضات والصراعات ما بين إما
"أنا، نحن" أو "أنت، أنتم". والنتيجة هي مكملة للصراع الأولي
الأزلي المتواجد ضمن الشخصية نفسها. أحلام يمكن طرحها ومناقشتها مع الذات للوصول
لوضع أفضل لما ما نعيشه من تناقضات أنهكتنا وأبكتنا كثيراً ونحن ما زلنا نفك
طلاسمها المعقدة. وربما تكون على حلقات متواصلة مع الآخر الذي يقرأها علَّه
يشاطرنا الرأي فيما نحن ماضون إليه ضمن مخيلتنا التي لا تعرف الحدود ولا تقيم
وزناً لكل ما علق في أذهاننا من أُطرٍ لا قيمة لها في عالم النظر إلى المرآة
لتخبرنا حقيقة ما نراه وليس ما كنا نتصوره. ماذا لو كنت...؟ سؤال أزلي ولد مع أول حالة فكرية ضربت عقل
الإنسان ولن تتوقف حتى الأبد وإن تصورنا أنه سيكون ثمة آخر انسان يمتلك نعمة
الفكر. فحينما سأل سيدنا آدم نفسه هذا السؤال، لم يدرك المخاطر التي نجمت عن
محاولته الرد. فكانت النقمة التي حلَّت عليه وعلى ذريته، ونحن منهم طبعاً إلى يوم
الدين. مجرد سؤال ماذا لو، أكلت من هذه الشجرة؟ وكان الحوار الفلسفي العظيم بين
الله وآدم والملائكة، وكلنا يدرك الرواية وما تلاها من أحداث. لكن مجرد السؤال
ومحاولة الرد، كانت السبب في ظهور الفلسفة والتطور الفكري. ماذا لو كنت الرئيس؟ ماذا لو كنت النبي؟ ماذا لو كنت رجلاً أو
امرأة أو طفلاً أو شاباً أو كهلاً أو مخفياً على الكل، أو ماركس، أو عبد الناصر أو
عربياً أو كردياً أو ترامب أو أو... الخ. يمكن رصف الآلاف من الأوات إلى مالا
نهاية وتبقى العبرة في الرد على كل سؤال بشكل موضوعي هو الأساس بعيداً عن العاطفة.
على الأقل كي نكون صادقين مع الـ "أنا" الداخلية الجوهرية والتي من
خلالها يكون الانسان انسان، وليس الانسان المتردد والخنوع والمستسلم والعبد
والمنافق الانتهازي. طبعاً، هذا السؤال ربما يراود مخيلة كل فرد
يعيش حالة الفوضى التي عمَّت كل شيء من حولنا، حتى أوصلتنا على أن لا نثق حتى
بأنفسنا فما بالك بالآخرين. حالة عدم الثقة المنتشرة في الوقت الحاضر لها أسبابها
التاريخية والفلسفية والسياسية والاجتماعية والثقافية بكل تأكيد. وربما يكون مجرد
طرح هذا السؤال في مجتمعات مستقرة نوعاً ما، ضرباً من الهلوسة والجنون. إذ، أنه في
حالة الاستقرار والأمن الذي يشعر فيه المرء بكرامته ووجوده، ربما لا يخطر على باله
مثل هذا السؤال. وربما تكون الفوضى هي المحرك الأساس لهذا التساؤل الذي ما زلنا
نطرحه على أنفسنا والآخرين معللين ذلك على أننا يمكننا وضع الحلول للكثير من
القضايا التي تعترينا. أسئلة سنطرحها تباعاً وعبر حلقات عبر هذا
الموقع المحترم علَّه نجد صدىً لتساؤلاتنا التي لا ولن تنتهي في هذا المشرق الذي
منه بدأ الانسان في البحث عن إله يعبده وربما يقتله بعض الأحيان بأفعاله ومواقفه.
تعليقات
إرسال تعليق