لم يعد زوجي يحتمل إهمالي الدائم له , وانشغالي المستمر عنه ,فشطب بقلم من قسوة تاريخاً طويلاً مع بعضنا , ومحا كل ذكريات المعشر الحميمية , بممحاة من اللامبالاة .
هذا ما توسلت إلي (قريبة صديقتي) أن أكتب فيه , وأنا سأطرح القضية بكل أمانة وموضوعية وبرأيي في هذه الحالة الرجل سيجد من تؤنسه (وما أكثرهن من مالئات الفراغ) والمرأة ستكمل حياتها بنفس النسق الذي ضحت من أجله بزوجها أما سيدفع ثمن الانفصال ويعاني من تبعات التفكك هم (الأبناء) فمن هو الرجل ؟ وهل يستحق الرجال الاستهانة بهم من أجل الحصول على نجاح مهني أو كسب مادي أو إغراءات حياتية دنيوية غير ثابتة ؟
عندما يتخذ الرجل قرار الزواج يكون بذلك قد غادرا اهله محملاً بالكثير من المهابة والمكانة والدلال ويعتمد بداخله أن تكون الزوجة بالفطرة والبديهة فاهمة لدورها , وهو تكملة حصوله على الحنان والأنس والحب مع فارق أنه يطلبه منها باضطراد وتزايد ناسياً بأن المرأة هي أيضاً تكون بحاجة لنفس الدفق من الدلال والحنو والاهتمام . فيصطدم واقعها بمعضلات واختلافات تكون متواجدة وقائمة في كل العلاقات الزوجية وفي شتى دول العالم . وعلى اختلاف نظم مجتمعاتنا , وهنا يبدأ صراع الأمزجة والاحاسيس في محاولة سيطرة جهة على جهة , وفرض سلطة تتوزع على جميع جوانب الحياة الأسرية سواء الناحية المادية أو الحسية أي الاقتصادية والاجتماعية (العاطفية) ومن ضمنها الاستقرار الاجتماعي فيصيبه الاهتزاز مبكراً وتتراكم مع مرور الوقت حسب تغيير الظروف والأوضاع المعيشية, المشاكل التي يستعصى على الزوجين حلها وتصبح فيما بعد في عداد أموات النسيان ولكن أثرها سيكون بادياً في شكل العلاقة بينهما فتصبح شكلية جافة خالية من عنصر العاطفة وهنا يكمن منشأ الفراغ الذي يشعر به الرجل أكثر من المرأة وعلى أساس أن المرأة موزعة على واجباتها (الأسرية والمهنية) فلا يلبث أن ينتهي اليوم حتى ينتهي آخر مهماتها البيتية وعلى الأغلب يكون الزوج آخر ما تنتبه له الزوجة بينما هو أكثر من يريد من المرأة اهتماماً منفرداً خاصاً دون باقي الأمور الأخرى التي تكون الزوجة ملزمة بأدائها , ودائماً لا يعم الرأي الواحد على الكل , فهناك من الرجال من يكيف نفسه مع أمور الحياة دون اعتراض , وبتعاون لا متناهي مع الظروف المستجدة , ولكن القسم الأكبر من الرجال لا يستسيغ غدراً لحقوقه ولا يألو تعباً في استمرار المطالبة بها من الزوجة , وأحياناً لا يطول الصبر مع تجربة ثانية وربما ثالثة في سبيل حصوله على مبتغاه , وما بين كل الحالات الانفصال والطلاق أو تعدد الزوجات يكون الابناء هم من يستحق تحت أقدام الإهمال وتكون الأسرة (التي هي لبنة بناء المجتمع ) تعاني تفككاً وضياعاً ويقع الابناء ضحية نزاعات الأم والأب . نشأت بداية النهاية لصاحبة المشكلة ( نون أ) كما سردتها :
زوجي لم يكن متمكناً من تأمين نفقات العائلة الاعتيادية , فلم يكن أمامي مع تزايد ديون الاسرة وحاجاتها المتزايدة إلى مورد مالي يؤمن نفقاتها من (مأكل وملبس ومأوى) إلا أن اضطرت لتعلم مهنة (الخياطة ) فخصصت غرفة من المنزل استقبل فيها (زبوناتي) واستمر الحال لسنوات طويلة تمكنت خلالها من حل مشاكلنا المادية بل حتى أصبح لدي رصيد في البنك أجمعه كل فترة لشراء الحلي , وملأت المنزل بأثاث وضروريات المعيشة , فما كان منه إلا أن فكر بأنانية الرجل الشرقي ولم ينظر ألا من زاوية نرجسيته وتناسى أنني كنت الممول لمتطلبات حياتنا على مدى سنين مضت , وخلالها تمكن من تجميع مبلغاً لا بأس به من المال وتزوج من ثانية بحجة أنني لم أعد صالحة له كزوجة ونسيته في خضم انشغالي وتعبي ورغبني في جمع المال والحلي , ناسياً بداية المعضلة ومن كل السبب الرئيسي لحصول ما حصل والنتيجة المحصلة : زوجة متعبة معذورة الكرامة , فقدت زوجها وزوج لحوح وغير مبالٍ إلا برغبات جنسية لا أكثر, وأبناء ضائعون بين أم وأب وزوجة أب وأبنائهم .
هذه المشكلة وغيرها تطرح أسئلة عديدة نرجو لها وقاية أكثر مما تريد لها علاجاً وحلول فالمجتمع الذي يقوم على أساس هكذا أسر وغيرها من نماذج التفكك والانحلال الذي يتبعها يكون مجتمعاً غير قويم ويسير فيه باتجاه التخلف وفقدان الأمان الأسري وهكذا مجتمع يحتاج لمديد العون لأفراده لانتشالهم من مستنقع الأنانية والخصوصية والرغبة على حساب عائلة مفككة بعيدة عن المبادئ والقيم صارت في مكان بعيد عن نظر أي إنسان , وتحول خطير بفكر عام من نوعه وكمه كما أصبح يخشى عقباه , وهذا ما نرجو الحصول عليه من منظمات المجتمع المدني المعينة بحقوق المرأة والأسرة والطفل والتي أرجو أن يضاف إليها قسم خاص للرجل , تتناول فيه توعية الرجال ذهنياً وفكرياً واجتماعياً لأنه العمود الذي تقف عليه أي أسرة بمعنى أنه أولى الجميع باهتمام الدولة والمنظمات لجعله مكتفياً مادياً ومعنوياً (ذاتياً) وإيجاد حلول بديلة مناسبة لكل المعوقات التي تواجه الأسرة ككل , وأن تتم تنمية توجهاته وأفكاره في سبيل تطوير العلاقات الإنسانية والبنى الأساسية لها , فأن تناولنا الرجل وتوجهنا بفكره نحو الصلاح فهو حتماً سيقود إلى إنشاء أسرة معافاة ملتحمة صحيحة البنية ويقودنا إلى ثوابت مستقرة في نظام الأسرة .بقي هناك سؤال أطرحه وأجيب عليه في نفس الوقت , الآن ظل يدور في خلدي ويعتصر من قلبي .
لو كانت الحالة معكوسة وكانت الزوجة التي تعاني الإهمال الدائم , هل كانت تفعل مثلما فعل الزوج وتترك زوجها تقترن بآخر ؟ وماذا ستصبح بنظر المجتمع الذي يرخي سدول (النظرة الدون) عن الرجل في كل تصرفاته ويحاصر بها فقط المرأة المتمثلة بقالب الزوجة حتماً لن تفعل ذلك (إلا في حالات نادرة) تكاد تكون معدودة على الأصابع لأن المرأة تلغي (احتياجاتها وعاطفتها) في حين تضع نصب عينيها دائماً وأبداً (أولادها وسمعتها) وتكمل حياتها بكل صبر ومثابرة لأجلهما .
ليلان جمال
تعليقات
إرسال تعليق