حياته
وُلد في بلاد الروم عام 1179، وأُسر من بلاده صغيراً وابتاعه ببغداد تاجر يُعرف بعسكر بن أبي نصر إبراهيم الحموي، فنُسب ياقوت إليه، ونشأ مسلماً وغلب عليه لقب الحموي.[3]
كان مولاه عسكر أمياً لا يعرف شيئاً سوى التجارة، فعنى التاجر بتعليمه؛ لينتفع به في تجارته، فتلقى العلوم المعروفة في عصره من نحو ولغة، ولما كبر ياقوت شَغَله مولاه بالأسفار في تجارته إلى كيش وغمان، ويذكر ياقوت أن كيش تعجيم قيس وأنها جزيرة في بحر عمان، وأنه زارها مراراً ورأى فيها جماعة من أهل الأدب والفقه والفضل.
جرت بينه وبين مولاه نبوة (جفوة) سنة 596هـ أوجبت عتقه فأبعده عنه، فعاش ياقوت من نسخ الكتب، وفي هذه الأثناء اتصل بعبد الله بن الحسين بن عبد الله العُكبري البغدادي (ت616هـ) العالم بالأدب واللغة والفرائض والحساب وأفاد منه كثيراً.
لم يمض وقت طويل حتى عطف عليه سيده عسكر، وأرجعه إلى عهدته وكلفه تجارته إلى كيش، فلما عاد منها كان مولاه قد مات، فأعطى أولاده وزوجته ما أرضاهم، وبقيت في يده بقية جعلها رأس ماله. وجاب ياقوت البلاد كما يذكر بين جيحون والنيل، فزار تبريز أشهر مدن أذربيجان سنة 610هـ،ولعله زار مصر ما بين 610ـ613هـ لأنه يذكر زيارته للإسكندرية من دون أن يحدد تاريخ زيارته ويستغرب مبالغات الرواة في وصفهم منارة الإسكندرية.[4]
وزار ياقوت دمشق سنة 613هـ ومن دمشق توجه إلى حلب مارّاً بحمص وحماة، ولكنه لم يمكث في حلب طويلاً إذ خرج منها متوجهاً إلى الموصل ومنها إلى إربيل التي كانت من أعمال الموصل، وكان حاكمها آنذاك مظفر الدين كوكبري بن زين الدين كوجك من أتابكة الموصل، وكان قد جعل منها مصراً كبيراً من الأمصار يقصدها الغرباء.
اتجه ياقوت من الموصل إلى خراسان التي كانت تحت حكم محمد بن تكش خوارزم شاه (569-617) فأقام فيها يتجر في بلادها واستوطن مرو مدة، ثم انتقل سنة 616هـ إلى خوارزم (خيوة)، ويبدو أن الوقت كان شتاءً إذ إن ياقوتاً حاول أن يكتب شيئاً فلم يستطع لجمود الدواة حتى يقربها من النار ويذيبها، وكان إذا وضع الشربة على شفته التصقت بها لجمودها.
صادف وهو بخوارزم خروج التتر بقيادة جنكيز خان سنة 616هـ فانهزم بنفسه مخلفاً وراءَه كل ما جمعه من مال وثروة، وعاد إلى الموصل ومنها كتب سنة 617هـ رسالة إلى القاضي أبي الحسن جمال الدين علي بن يوسف بن إبراهيم الشيباني وزير الملك العزيز الأيوبي (613ـ634هـ) طالباً منه العون، شارحاً له ما قاساه في طريق عودته، فشمله بعطفه وأحاطه برعايته، ودعمه مادياً وهذا ما ساعده على الانصراف للكتابة في الموصل التي أقام فيها مدة، ومن الموصل انتقل إلى سنجار ومنها ارتحل إلى حلب وأقام بظاهرها في خان حيث توفي.
مؤلفاته
وكان ياقوت قد وقف كتبه على مسجد الزيدي ببغداد وسلمها إلى الشيخ عز الدين أبي الحسن علي بن الأثير صاحب التاريخ الكبير فحملها إلى هناك.
من الواضح أن ياقوتاً أفاد كثيراً مما شاهده في اسفاره وما جمعه من الخزائن التي تردد عليها في مراكز الثقافة التي نشطت فيها الحياة الفكرية، كدمشق وحلب في ظل الحكم الأيوبي، ومرو التي كانت من أشهر مراكز الثقافة آنذاك، وقد أقام ياقوت في مرو ثلاث سنوات يأخذ العلم من علمائها، وأفاد من خزائن كتبها وكان فيها عشر خزائن للوقف لم يرَ في الدنيا مثلها كثرة وجودة، ويقال إن الخزانة التي تعرف بالعزيزية كان فيها اثنا عشر ألف مجلد أو ما يقاربها، ويبدو أن أمر استعارة الكتب من هذه الخزائن كان أمراً ميسوراً حتى إنه كان يستعير في وقت واحد ما يقارب من مئتي مجلد وأكثر بغير رهن تكون قيمتها 200 دينار، فكان «يرتع فيها ويقتبس من فوائدها» وكان أكثر فوائد «معجم البلدان» وغيره مما كان قد جمعه من تلك الخزائن.
لياقوت الحموي مؤلفات عديدة منها كتاب:
- معجم البلدان
- معجم الأدباء
- المشترك وضعاً والمختلف صقعاً
- المقتضب في النسب
- معجم الشعراء
- المبدأ والمآل
- كتاب الدول
- مجموع كلام أبي علي الفارسي
- أخبار المتنبي
- كتاب في الديارات
معجب البلدان
- مقالة مفصلة: معجم البلدان
أهم تصانيفه كتاب معجم البلدان الذي باشر بتبييضه كما يذكر هو نفسه في 21 محرم سنة 625هـ وأهدى نسخته بخطه إلى العالم الجليل الذي كان له فضل دعمه ومساعدته ـ بعد عودته من خوارزم ـ القاضي أبي الحسن جمال الدين الشيباني.
ومعجم البلدان من أعظم المراجع التي يمكن الاعتماد عليها، ويعد من المؤلفات التي يحق للإسلام أن يفخر بها كما يقول المستشرق كارا دو ڤو Carra de Vaux، وكان أول من نشر كتاب معجم البلدان المستشرق الألماني ڤستنفلد Wustenfeld في ستة أجزاء، ثم طبع في القاهرة في عشرة أجزاء سنة 1323هـ/1906م وطبع طبعات أخرى.
والمعجم كتاب في أسماء البلدان والجبال والأودية والقيعان والقرى والمدن والبحار والأنهار والغدران والأصنام والأوثان مرتبة على حروف الهجاء، ويمتاز بدقته واتساعه وجمعه بين الجغرافية والتاريخ والعلم والأدب، وكان ياقوت أميناً في ذكر مصادره ومراجعه التي اعتمد عليها، وكان من أكثر العلماء عناية بمظاهر الثقافة الشاملة، ومن أبعدهم عن الأخذ بالخرافة والأساطير، وقد عني المستشرق هير Heer في نهاية القرن التاسع عشر بدراسة «معجم البلدان» وكتب بحثاً عن المراجع التاريخية والجغرافية التي اعتمدها ياقوت لتصنيف هذا المعجم.
لكتاب معجم البلدان مختصر بعنوان «مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع» لصفي الدين عبد المؤمن بن عبد الحق البغدادي (ت 739هـ)، ومع أن طلاب ياقوت التمسوا منه مراراً اختصار كتابه كان يأبى باستمرار لأن المُختصر لكتاب في رأي ياقوت «هو كمن أقدم على خلق سوي فقطع أطرافه، فتركه أشلّ اليدين، أبترَ الرجلين، أعمى العينين، أصم الأذنين».
تعليقات
إرسال تعليق